2025/12/20 - 12:05 مساءً

حرب عيد الميلاد!

في قلب كواليس كرة القدم الإسبانية، تتحول موائد عيد الميلاد إلى ساحات حرب بين فلورنتينو بيريز وخوان لابورتا، لم تعد المنافسة على أرض الملعب فقط، بل أصبحت صراعًا على الرواية والهيمنة الإعلامية.

هاي كورة – مقال للصحفي دافيد مارتين

عادةً ما يكون عيد الميلاد وقتًا للتقارب، وتبادل الأمنيات الطيبة، والخطابات الهادئة، لكن في كرة القدم الإسبانية — وخصوصًا بين ريال مدريد وبرشلونة — لا حتى حلوى “التورّون” تنجح في تخفيف حدة التوتر، موائد العشاء واللقاءات الميلادية التي عقدها فلورنتينو بيريز وخوان لابورتا هذا الأسبوع أكدت ما هو واضح للجميع: الصراع لم يعد يُلعب فقط فوق أرضية الملعب، بل في ساحة السرد والخطاب.

خطابان مختلفان، أسلوبان متباينان، وهدف واحد: كسب معركة الرأي العام.

فلورنتينو كان البادئ، وكعادته، تحدث من موقع القوة وبنبرة مؤسساتية رسمية، خلال مأدبته الميلادية مع وسائل الإعلام، أعاد رئيس ريال مدريد وضع “قضية نيغريرا” في صلب النقاش، رافعًا إياها إلى مستوى تاريخي، لم يكن ذلك تعليقًا عابرًا أو جملة استفزازية، بل تموضعًا استراتيجيًا واضحًا، بالنسبة لفلورنتينو، لا يتعلق الأمر بجدل ظرفي، بل بمشكلة بنيوية في كرة القدم الإسبانية.

الرسالة كانت صريحة: ريال مدريد يقدم نفسه كحارس لنزاهة النظام، حتى وإن كلفه ذلك الوقوف وحيدًا، إنها رواية مألوفة لكنها فعّالة؛ فعندما لا يهيمن الفريق على الدوري، يهيمن النادي على الخطاب، يفعل ذلك من موقع علوي، مشيرًا إلى المؤسسات، والحكام، والصمت المريب، فلورنتينو لا يسعى إلى تصفيق فوري، بل إلى شرعية أخلاقية.

ردّ لابورتا جاء بعد أيام، في مشهد مختلف تمامًا وبنبرة معاكسة كليًا، عشاءه الميلادي كان أقل رسمية وأكثر عاطفية، لم يخاطب النظام، بل خاطب جماهيره، ومن هناك أطلق نيرانًا ثقيلة، قناة ريال مدريد التلفزيونية، فلورنتينو بيريز، و”الخطاب الضحيّاتي” المدريدي كانوا أهدافًا مباشرة لخطاب قتالي أقرب إلى المهرجان السياسي.

لابورتا لا يحاول إقناع المحايدين، هدفه هو شد الصفوف، وتحفيز القاعدة الجماهيرية، وتحصين النادي أمام ما يراه هجومًا مستمرًا، استراتيجيته ليست الارتقاء بالنقاش، بل تشويه صورة الخصم، حيث يتحدث فلورنتينو عن العدالة، يتحدث لابورتا عن التضليل، وحيث يستحضر الأول التاريخ، يلجأ الثاني إلى الكبرياء والمقاومة.

وهنا تكمن النقطة الجوهرية: الطرفان لا يتصارعان في الساحة نفسها، فلورنتينو يلعب على الرقعة المؤسساتية؛ لابورتا على الرقعة العاطفية، أحدهما يوجّه رسالته إلى الحكام، ورابطة الليغا، والاتحاد، وأوروبا؛ والآخر إلى المدرجات، وغرفة الملابس، ومنطق “نحن ضدهم”.

اللافت أن كلا الخطابين يعكسان تمامًا الوضع الرياضي الحالي، برشلونة المتصدر يشعر بالقوة ويرد بثقة دفاعية، ريال مدريد، في موقع المطاردة، يحتمي ببناء إطار يتجاوز نتيجة المباريات، كل منهما يتحدث انطلاقًا من ظرفه، ولكن أيضًا من نموذج ناديه.

هذا العيد لم يشهد رسائل تصالحية ولا رغبة في خفض النبرة، على العكس، كان تأكيدًا على حرب باردة مستمرة، والأسوأ — أو الأفضل، بحسب زاوية النظر — أن هذه الحرب لم تنتهِ بعد، فعندما يحوّل الرؤساء موائد عيد الميلاد إلى منابر أيديولوجية، فهذا يعني أن “الكلاسيكو” قد بدأ بالفعل… حتى وإن كانت صافرة البداية لا تزال بعيدة.