هاي كورة_ لم يعد الجري ثم التسديد هو الحل الأفضل للجناح، كرة القدم تطورت كثيرًا عما سبق على كافة الأصعدة، المراكز والتوظيف ونوعية اللاعبين المتألقين، لكن الأمر مختلف قليلًا مع جوارديولا، الرجل لا يختار أصلًا إلا اللاعبين المختلفين وغير الإعتياديين، يهتم بقدم الحارس أكثر من يديه لبناء الهجمة، ويهتم لجودة التمرير لقلبي الدفاع قبل جودتهم في الصلابة والإلتحامات الثنائية والهوائية، وكذلك مع الوسط والهجوم.
نصف ملتزم ونصف عنيد؛
في موسم 2017 جوارديولا كان على وشك إخراج أجويرو من الفريق لأنه لا يضغط في الأمام، الأمر الذي حتى يجعل الأمر غير مقبولًا في المطلق، لأن المنطق لا ينص على التضحية بـ7 مميزات مثلًا من أجل عيبٍ واحد. الأمر الذي يعكس سؤالًا مهمًا، لماذا جوارديولا بكل هذه القوة أصلًا تجاه نقاط القوة والضعف؟
حسنًا، تخيل أنك لا تملك في سيارتك إلا 5 لتر من البنزين فقط وأنت تريد الذهاب من محافظة لمحافظة أخرى بعيدة عن موقعك، ماذا سيحدث إن توقفت سيارتك في نصف الطريق الذي تريد الذهاب إليه؟
إجابتك الأولى غير صحيحة، مهما كانت، لأنك إن لم تحدد القدر الكافٍ من البنزين طبقًا لرحلتك قبل أن تتحرك بسيارتك فأنت غير مؤهل للقيادة من الأساس.
لذا، قد يُصيبك التوتر بعد أن قرأت السؤال السابق، ماذا عن تطبيق الجمل التكتيكية الصعبة والفلسفية التي نراها كل مباراة بقيادة جوارديولا، لذا الإهتمام بكل جانب من الجوانب الفنية والتكتيكية هو إلتزام، إختيار جودة اللاعبين طبقًا لتلك الأمور هو إلتزام عملي بحت، لكن الحِدة منها لا يُسمى إلا بالعِند، لأننا في النهاية بشرٌ.
كل ذلك يذهب بنا إلى أننا هنا على صدد نجم جديد في تلك المنظومة وليس مجرد فردًا فيها، ليس لأنه يتألق فقط، بل لأنه مميز عن كل الأجنحة التي نراها يوميًا، أو لأنه ليس من أصحاب الجري ثم التسديد.
نصف ملتزم ونصف ملتزم أيضًا؛
حينما وضع المختصون جاري كاسباروف في مواجهة أكثر من لاعب مهم في نفس الوقت، مع السماح له بوقت محدود للغاية في تحريك القطع، إستطاع رغم كل ذلك التفوق على الجميع، وفاجيء الكل بعبقرية شديدة في اتخاذ القرار بجزء من الثانية.
مثل أسطورة الشطرنج كاسباروف، يجب ألا يفكر لاعب جوارديولا كثيرًا قبل التمرير، ولا يكتفي حتى بالتفكير في اللعبة قبل أن تصل إليه الكرة، بل يجب عليه أن يُدرك أبعاد الهجمة دون أن يلزم ذلك التفكير لعدة ثوان، أو حتى لثانية واحدة.
للتوضيح أكثر، بناء الهجمة في منظومة جوارديولا أشبه بالشطرنج، الأمر عبارة عن بعض الثوابت التي يسير عليها الفريق دائمًا مع تغيير لنظام اللعب في كل مباراة، الأمر ليس معقد كما تظن، بل غالبًا أنت تظن أن في كرة القدم السهل سهل والصعب صعب، لكن السهل أصعب من الصعب، فتنفيذ نفس الأفكار ضد خصوم مختلفة أمر أصعب من تغيير تلك الأفكار لنجاحها، الأمر تمامًا في الشطرنج خصوصًا لهؤلاء الخصوم الذين يدرسون طريقة لعبك.
في الفترة الأخيرة لم يعد نقل الهجمة على اليمين واليسار معًا، بل غالبًا ما تذهب الكرة لزينتشينكو ومن ثم يمررها لرودري في الوسط، أقرب حل لرودري هو التمرير لبيرناردو سيلفا، اللاعب الذي عادةً ما يكون قريب منه، أما في الفترة الأخيرة لم يصبح الوضع هكذا لعدم تواجد بيرناردو الدائم وإشراك محرز بدلًا منه، فأصبح دي بروين هو حلقة الوصل بين الوسط للهجوم.
يتقدم زينتشينكو إلى الطرف في الثلث الأوسط (الثاني) من الملعب ليُعطي الأريحية لسترلينج للدخول في العمق أو اللعب بحرية في المنطقة ما بين الإرتكاز وقلب الدفاع والظهير الأيمن للخصم، أما في الجِهة الأخرى فـ دي بروين دائمًا ما يكون متواجدًا بين خطوط الخصم، تحديدًا في المساحة بين إرتكاز الخصم وخط دفاعه، ذلك لخلق الفراغ في العمق.
هنا يأتي دور محرز المميز، يستلم الكرة على الطرف الأوسط ليتقدم بها بمهارته، ومن ثم يُعطيها لدي بروين الذي يمررها لمحرز مرة أخرى بدقة في المساحة خلف الظهير الأيسر للخصم، ومن ثم يتعامل معها محرز بالشكل المطلوب، إما بالتسديد بعد الإنضمام للعمق، أو بالتمرير في العمق لإيجاد ثغرة في العمق ومن ثم التمرير له مرة أخرى ليسددها على المرمى.
عملية “Laying Off” هي عبارة عن خلق المساحة على اليمين بعد إنشغال رقابة الخصم على اليسار، للتوضيح.. عند بناء الهجمة على اليسار يحاول الخصم تضييق المساحات في تلك الجِهة لتحجيم عناصر السيتي أثناء تمرير الكرة، الأمر الذي يدفع محرز للتمركز في الثلث الأوسط كي ينتظر الكرات التي سيأخذها من الجِهة اليُسرى، فيتم خلق المساحة على اليمين لمحرز، فيستغل سرعته ودقته في التمرير والتسديد على الطرف الأيمن.
رياض محرز تسبب مع دي بروين في 20 هدف في آخر 38 هدف تم تسجيلهم هذا الموسم، أي في 61% من أهداف مانشستر سيتي، أما تحديدًا بالنسبة لرياض، فالرجل قد تسبب في 10 أهداف في آخر 10 مباريات مع السيتي، صنع 7 وسجل 3. ربما تلك الإحصائية هي أفضل نهاية لكل هذا الكلام! إنتهى المقال.